فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ}
وهم المستعجلون بالسيئة المتقدمون. قال أبو السعود: وإنما عدل عن الإضمار إلى الموصول؛ ذمًا لهم ونعيًا عليهم كفرهم بآيات الله تعالى التي تخر لها صم الجبال، حيث لم يرفعوا لهم رأسًا، ولم يعدوها من جنس الآيات، وقالوا عنادًا: {لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} أي: مثل آيات موسى وعيسى عليهما السلام، أو مثل ما يقترحون من جعل الصفا ذهبًا، أو إزاحة الجبال وجعل مكانها مروجًا وأنهارًا: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ} أي: مرسل للإنذار والتخويف من سوء عاقبة ما يأتون ويذرون، وناصح كغيرك من الرسل، فما عليك إلا البلاغ، لا إجابة المقترحات: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي: نبي داع إلى الحق مرشد بالآية التي تناسب زمنه، كقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: من الآية 24]، تعريض بأنه صلى الله عليه وسلم ليس بدعًا من الرسل. فقد خلا قبله الهداة الداعون إلى الله، عليهم السلام. أو المعنى: لكل قوم هاد عظيم الشأن، قادر على هدايتهم، هو الله سبحانه، فما عليك إلا إنذارهم لا هدايتهم. وإيتاؤهم الإيمان وصدهم عن الجحود؛ فإن ذلك لله وحده كقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء} [البقرة: من الآية 272]، أو المعنى: {لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قائد يهديهم إلى الرشد. وهو الكتاب المنزل عليهم الداعي بعنوان الهداية إلى ما فيه صلاحهم. يعني: أن سر الإرسال وآيته الفريدة؛ إنما هو الدعاء إلى الهدى وتبصير سبله، والإنذار من الاسترسال في مساقط الردى. وقد أنزل عليك من الهدى أحسنه. فكفى بهدايته آية كبرى وخارقة عظمى. وأما الآيات المقترحة فأمرها إلى الله، وقد لا يفيد إنزالها هداية! قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُون} [الإسراء: من الآية 59]،: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: من الآية 109]، مع ما يستتبع الإصرار بعدها من الأخذ بلا إمهال!: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62].
قال الشهاب: وجوز عطف {هاد} على {منذر} وجعل المتعلق مقدمًا عليه، للفاصلة فيدل على عموم رسالته وشمول دعوته. وقد يجعل خبر مبتدأ مقدر، أي: وهو هاد، أو وأنت هاد، وعلى الأول فيه التفات.
وقوله تعالى: {اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى} جملة مستأنفة، جواب سؤال وهو: لماذا لم يجابوا لمقترحهم فتنقطع حجتهم فلعلهم يهتدون بأنه آمر مدبر عليم نافذ القدرة فعال لما تقتضيه حكمته البالغة دون آرائهم السخيفة؟ وهذا على أن الهادي بمعنى الداعي إلى الحق.
وإن كان المراد به الله سبحانه؛ فالجملة تفسير لقوله: {هاد} أو مقررة مؤكدة لذلك. كذا في العناية.
وأشار الرازي إلى أن الآية: إما متصلة بما قبلها مشيرة إلى أنه تعالى واسع العلم لا يخفى عليه أن اقتراحهم عناد وتعنت، وأنهم لا يزدادون بإظهار مقترحهم إلا عنادًا، فلذا لم يجابوا إليه. وإما متصلة بقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يعني أنه تعالى عالم بجميع المعلومات. فهو تعالى إنما ينزل العذاب بحسب ما يعلم أن فيه مصلحة.
ثم إن لفظ {ما} في قوله تعالى: {مَا تَحْمِلُ} مصدرية أو موصولة، أي: حملها، أو ما تحمله من الولد، على أي: حالة هو من ذكورة وأنوثة، وتمام وخداج، وحسن وقبح، وطول وقصر.... وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة.
{وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} أي: تنقص من الحمل: {وَمَا تَزْدَادُ} أي: تأخذه زائدًا.
قال الزمخشري: ومما تنقصه الرحم وتزداده عدد الولد؛ فإنها تشمل على واحد، وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة. ويروى أن شريكًا كان رابع أربعة في بطن أمه، ومنه جسد الولد فإنه يكون تامًا ومخدجًا. ومنه مدة ولادته، فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها، ومنه الدم فإنها يقل ويكثر.
{وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} أي: بقدر وحدٍّ لا يجاوزه حسب قابليته، كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: من الآية 2]، وذلك أنه تعالى خص كل مكون بوقت وحل معينين، وهيأ لوجوده وبقائه أسبابًا مسوقة إليه تقتضي ذلك: {عَالِمُ الْغَيْبِ} أي: ما غاب عن الحس: {وَالشَّهَادَةِ} أي: ما شهده الحس: {الْكَبِيرُ} أي: العظيم الشأن الذي كل شيء دونه: {الْمُتَعَالِ} أي: المستعلي على كل شيء بقدرته. أو المنزه عن صفات المخلوقين، المتعالي عنها.
وأكثر القراء على حذف ياء: {الْمُتَعَالِ} تخفيفًا، وصلًا ووقفًا، وقرئ بإثباته فيهما على الأصل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}
عطف على جملة: {ويستعجلونك بالسيئة} الآية.
وهذه حالة من أعجوباتهم وهي عدم اعتدادهم بالآيات التي تأيّد بها محمّد صلى الله عليه وسلم وأعظمها آيات القرآن، فلا يزالون يسألون آية كما يقترحونها، فله اتصال بجملة: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} [هود: 17].
ومرادهم بالآية في هذا خارق عادة على حساب ما يقترحون، فهي مخالفة لما تقدم في قوله: {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} لأن تلك في تعجيل ما توعدهم به، وما هنا في مجيء آية تؤيده كقولهم: {لولا أنزل عليه ملك} [الأنعام: 8].
ولكون اقتراحهم آية يُشفّ عن إحالتهم حصولها لجهلهم بعظيم قدرة الله تعالى سيق هذا في عداد نتائج عظيم القدرة، كما دل عليه قوله تعالى في سورة الأنعام: {وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون} [الأنعام: 36] فبذلك انتظم تفرع الجمل بعضها على بعض وتفرع جميعها على الغرض الأصلي.
والذين كفروا هم عين أصحاب ضمير {يستعجلونك}، وإنما عدل عن ضميرهم إلى اسم الموصول لزيادة تسجيل الكفر عليهم، ولما يومئ إليه الموصول من تعليل صدور قولهم ذلك.
وصيغة المضارع تدل على تجدد ذلك وتكرره.
و{لولا} حرف تحضيض.
يموهون بالتحضيض أنهم حريصون وراغبون في نزول آية غير القرآن ليؤمنوا، وهم كاذبون في ذلك إذ لو أوتوا آية كما يقترحون لكفروا بها، كما قال تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} [الإسراء: 59].
وقد رد الله اقتراحهم من أصله بقوله: {إنما أنت منذر}، فقصر النبي صلى الله عليه وسلم على صفة الإنذار وهو قصر إضافي، أي أنت منذر لا مُوجد خوارق عادٍ.
وبهذا يظهر وجه قصره على الإنذار دون البشارة لأنه قصر إضافي بالنسبة لأحواله نحو المشركين.
وجملة: {ولكل قوم هاد} تذييل بالأعم، أي إنما أنت منذر لهؤلاء لهدايتهم، ولكل قوم هاد أرسله الله ينذرهم لعلهم يهتدون، فما كنت بِدعًا من الرسل وما كان للرسل من قبلك آيات على مقترح أقوامهم بل كانت آياتهم بحسب ما أراد الله أن يظهر على أيديهم.
على أن معجزات الرسل تأتي على حسب ما يلائم حال المرسل إليهم.
ولما كان الذين ظهرت بينهم دعوة محمد صلى الله عليه وسلم عربًا أهل فصاحة وبلاغة جعل الله معجزته العظمى القرآن بلسان عربي مبين.
وإلى هذا المعنى يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح؛ «ما من الأنبياء نبيء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيتُ وحَيْا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة».
وبهذا العموم الحاصل بالتذييل والشامل للرسول عليه الصلاة والسلام صار المعنى إنما أنت منذر لقومك هادٍ إياهم إلى الحق، فإن الإنذار والهدي متلازمان فما من إنذار إلاّ وهو هداية وما من هداية إلا وفيها إنذار، والهداية أعمّ من الإنذار ففي هذا احتباك بديع.
وقرأ الجمهور: {هادٍ} بدون ياء في آخره في حالتي الوصل والوقف.
أما في الوصل فلالتقاء الساكنين سكون الياء وسكون التنوين الذي يجب النطق به في حالة الوصل، وأما في حالة الوقف فتبعا لحالة الوصل، وهو لغة فصيحة وفيه متابعة رسم المصحف.
وقرأه ابن كثير في الوصل مثل الجمهور.
وقرأه بإثبات الياء في الوقف لزوال مُوجب حذف الياء وهو لغة صحيحة.
{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}
انتقال إلى الاستدلال على تفرد الله تعالى بالإلهية، فهو متصل بجملة: {الله الذي رفع السماوات} [الرعد: 2] إلخ.
وهذه الجملة استئناف ابتدائي.
فلما قامت البراهين العديدة بالآيات السابقة على وحدانية الله تعالى بالخلق والتدبير وعلى عظيم قدرته التي أودع بها في المخلوقات دقائق الخلقة انتقل الكلام إلى إثبات العلم له تعالى علمًا عامًا بدقائق الأشياء وعظائمها، ولذلك جاء افتتاحه على الأسلوب الذي افتتح به الغرض السابق بأن ابتدئ باسم الجلالة كما ابتدئ به هنالك في قوله: {اللّهُ الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها} [الرعد: 2].
وجعلت هذه الجملة في هذا الموقع لأن لها مناسبة بقولهم: {لولا أنزل عليه آية من ربه}، فإن ما ذكر فيها من علم الله وعظيم صنعه صالح لأن يكون دليلًا على أنه لا يعجزه الإتيان بما اقترحوا من الآيات؛ ولكن بعثة الرسول ليس المقصد منها المنازعات بل هي دعوة للنظر في الأدلة.
وإذ قد كان خلق الله العوالم وغيرها معلومًا لدى المشركين ولكنّ الإقبال على عبادة الأصنام يذهلهم عن تذكره كانوا غير محتاجين لأكثر من التذكير بذلك وبالتنبيه إلى ما قد يخفى من دقائق التكوين كقوله آنفًا: {بغير عَمد} [الرعد: 2] وقوله: {وفي الأرض قِطع متجاورات} [الرعد: 4] الخ؛ صيغ الإخبار عن الخلق في آية: {الله الذي رفع السماوات} [الرعد: 2] إلخ بطريقة الموصول للعلم بثبوت مضمون الصلة للمخبر عنه.